بسم الله الرحمن الرحيم.
لو أعطى الإِنسان أُذُنه للإِعلام لأدار ظهره للحياة، مِنْ كثرة ما يَبُسُّونَه مِنْ رسائل إِحباط وتيئيس لخلق الله، والعجيب أَنَّهم يطالبون غيرهم أَنْ يرسل رسالة طمأنة للثكالى والمعذَبين في الأرض مع أَنَّهم أحوج الناس لذلك.
فالسيئة عندهم يُضْرَبُ لها الطبل، والحسنة يُهمس بها، لذا مَسَّتْ الحاجة إِلى التذكير بما يساهم في اخراج الناس من ضيق الإِحباط إِلى سعة التفاؤل والإِنخراط في العمل:
[] حاجتنا الى التفاؤل:
= التّفاؤل: يعني إنشراح القلب وتوقّع الخير، وفوائده لا تحصى، فهو يقوي العزم، ويبعث على الجدّ، ويُعِين على إِدراك الهدف، وهو يجلب الطّمأنينة وسكون النّفس، وفيه إقتداء بسيد الخلق القائل «وأنا مبشّرهم إذا أيسوا»، والقائل «سدّدوا وقاربوا، وأبشروا»، والتفاؤل يُمَكِّن الإِنسان مِنْ إِدارة أزمته بثقة وهدوء فيحصل الفرج بعد الشّدّة، كما أَنَّه يقوى الروابط بين الناس، فالمتفائل يحبّ من يبشّره ويستأنس به، وفيه إِحسان الظّنّ بالله تعالى، وحُسْن الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ العبادة.
= ويكفى في مِدْحَةِ أَنَّ أضداده: التشاؤم واليأس والإِحباط والإِنهزامية والقنوط، وكل واحد منها كفيل بأَنْ يصيب الانسان بإِضطراب النّفس وبلبلة الفكر، ويحرمه الإبداع والتّفوّق ويسهل عليه البطالة والكسل، ويجعله عبدا للخزعبلات والدّجل والإِشاعات المغرضة، ويوقعه فريسة للأمراض بشهادة ذلك الحكيم الذى يقول: «إِنَّ قرحة المعدة لا تأتي مما تأكل، ولكنها تأتي مما يأكلك»، في إِشارة واضحة إِلى الثمرة المرة لمضادات التفاؤل، وكاد أَنْ يصيب كبد الحقيقة مَنْ وصف المتشائم بأَنَّه -مَيِّت الأحياء- وقد صدق، ألا يكفي أَنَّه مطرود مِنْ رحمة الله مطعون في قوة يقينه وإِيمانه!! إِنَّه يستجدي الزمان أَنْ يأتيه بكل ماعنده من مِحَن، ولسان حاله يقول: إِنْ كان عندك يازمان بَقِيَّة مما يُهَانُ به الأنام فَهَاتِهَا، أما المتفائل فشعاره: إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، ولَنْ يَغْلِب عُسْر يُسْرَيْنِ.
= أما كيف نزرع التفاؤل في داخلنا؟ فأقول:
•= جُلْ بقلبك في حنايا التاريخ مستصحبا معك ما أسميته ميثاق التفاؤل: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وفي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغرسها»، إِنَّه حث على التفاؤل والعمل وإنْ لم يبق مِنْ الدنيا إلا دقائق، لتبقى عامرة إلى آخر أمدها المعدود عند خالقها.
•= وتذكر نبأ ثاني اثنين إِذْ هُمَا في الغار، في تلك الحالة الحرجة الشديدة، وقد انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل الله عليهما من نصره ما لا يخطر على البال، وقصة يوسف النبي الكريم ابن الكريم الذي بدأ حياته بالسجن وختمها بملك مصر، لم يُؤَهله لهذا المنصب حسب ولا نسب، وانما أهله حفظه وعلمه، فالعلم إشارة إلى الإتقان والكفاءة، والحفظ إشارة الى الثقة.
•= ولا تنسى موسى الكليم الذي جعل الله هلاك فرعون على يديه، والذي زكته ابنة الرجل الصالح، بعد ما شاهدت مِنْ نشاطه ما عرفت به قوته، وشاهدت مِنْ خلقه ما عرفت به أمانته، فأصدرت حكمها لأبيها {إِنَّ خير من استأجرت القوي الأمين}، وياله مِنْ حكم صائب، لأن مَنْ يجمع بين إِتقان العمل والأمانة، يكون موفقا مسددا، ولا يكون الخلل في أمر ما إلا بفقدهما أو فقد إحداهما.
•= وكُنْ على ذكر من قصة الثلاثة الذين أواهم المبيت إلى الغار، وحادثة الإفْك، ودعاء حبيبك طلعة كل صباح: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَمِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ».
•= إِنَّ واقعنا اليوم، وما هي فيه مِنْ أَنواع الْمِحَنِ والرزايا، ليستدعي إحياء صفة التفاؤل، تلك الصفة التي تأخذ بالهمة الى القمة، وتضيء الطريق لأهلها.
= إتقان العمل:
التفاؤل ليس شعورا مصحوبا بالقعود، بل هو والعمل قرينان وصِنْوَان لايفترقان، فلا يسمى المرء متفائلا إلا إذا بَلَغَ بالأسباب إلى منتهاها وعمل ما في وسعه، لَكِنْ يسرف في المبالغة مَنْ يقول لك: سأعطيك وصفة سحرية للتفاؤل واتقان العمل، لأَنَّ ما نحن فيه هو تراكمات ثقافة طويلة، شاب عليها الصغير وهرم عليها الكبير، يحتاج تغييرها إلى عمل مؤسسي متكامل ومنظومة ممنهجة، ليصبح الأفراد داخلها كخلية نَحْل يعرف كل واحد فيها دوره ويؤديه بإتقان، إلا أَنَّ هذا لا يبرر لنا التقصير والقعود، فبإمكاننا أنْ نتقدم خطوة بل خطوات إلى الأمام، إذا أتقن كل منا عمله فى حدود إستطاعته، فالإحصائيات تقول: إذا تغيرت ثقافة خمسة بالمائة من الأفراد فإنَّه ينعكس على المجتمع كله بنسبة عشرين فى المئة، فماذا لو تغيرت ثقافة خمسين بالمائة؟!
وفيما يلى بعض النقاط المهمة التي تعين على تحسن الأداء، بعضها آخذ بعناق بعض:
ـ إستشعار المسئولية والقيام بالواجب نحو إصلاح الأحوال، والتكيف مع ظروف العمل في الشدة والرخاء، فبدلا من أن نلعن الظلام نوقد شمعة.
ـ تنمية الرقابة الذاتية داخل الفرد بدافع من ضميره الحي وواجبه الوطني، والنظر إلى إتقان العمل على أَنَّه واجب ديني وعبادة وقربى إلى الله، وفوق كل هذا نفع الخلق، فهو ذكراك الحسنة فيمن جاء بعدك، والتي يسألها الصالحون في كل وقت، إقتداء بقدوتهم في دعائه «واجعل لي لسان صدق في الاخرين» أي: اجعل لي في الناس ثناء صدق، مستمر إلى آخر الدهر.
ـ إحسان الْخُلُقِ في المعاملة مع الناس والمبادرة إلى القيام بمصالحهم، ولا يغيب عن بالك أَنَّ السعي في مصلحة شخص ما خير من عبادة أزمنة مديدة.
ـ تحدّيد ألأولويات أولاً، ثم الإلتزم بها ما أمكن، ومِنْ ثَمَّ إنجاز الأعمال في أوقاتها المحدودة والالتزام بالمواعيد وإحترامها، وهذا كله يقتضي ضرورة الإهتمام بالوقت والرغبة الجادة في استثمار كل دقيقة منه.
ـ تفعيل الرقابة المؤسسية مِنْ خلال القوانين واللوائح والأساليب التي تنظم سير العمل كل على حسبه، على أَنْ يكون ذلك بحزم وصلابة مع مرونة ولطف، وليس صحيحا ما وَقَرَ في الأذهان أَنَّ المرونة تعنى التسيب، وأَنَّ الصلابة تعني القسوة والجفاء.
وأخيرا: علينا الا نيأس فخَلْفَ الغيوم نجوم، وتحت الثلوج مروج.
اللهم أعنا على انفسنا وإحفظ أوطاننا من كل مكروه وسوء....آمين.
الكاتب: احمد عبد المجيد مكى.
المصدر: موقع صيد الفوائد.